الجمعة، مارس 29، 2013

فى نقد لاهوت التحرير (3)

3- خطورة لاهوت التحرير على الكنيسه :

يقول الأب وليم سيدهم فى شرحه لكتاب جوتيريز " لاهوت التحرير " : " إن لاهوت التحرير هو على وعى للمحاذير المحيطه بإقحام الإنجيل فى السياسه. و هو يرى أنه عندما يقال إن الكنيسه تُسيس الناس حين تبشرهم بالإنجيل فإن لاهوت التحرير يعترف بوجود ذلك البعد فى الإنجيل كله, دون أن يحوله إلى مجرد سياسه, لا بل يعترف بأن " رسالة الحب الكلى " النابعه من الإنجيل تمتلك بعداً سياسياً حقيقياً. وهذا البعد قائم فى الواقع. وذلك لأن بشارة الكنيسه تتوجه إلى أناس يعيشون فى مجتمع معين, و يخضعون لشبكه من العلاقات الإجتماعيه و يرتبطون بظروف لاإنسانيه على الأقل فى حالة أمريكا اللاتينيه " 

فى هذا الفقره يناقض الكاتب نفسه فبينما هو يقول أن لاهوت التحرير على وعى بالمحاذير فهو يدافع عن تسيس الإنجيل و سيطرة الدين على الحياه السياسيه و الإجتماعيه للأفراد 


- يقول الأب وليم سيدهم عن موقف الكنيسه من الصراع الطبقى " إن التزام الحياد فى هذا الصراع غير ممكن. فالمسأله لا تُطرح من زاوية قبول أو إنكار واقع يفرض نفسه علينا, بل المطلوب هو معرفة الجهه التى تنحاز إليها الكنيسه: أهى جهة الظالم أم جهة المظلوم ؟ و حينما تتجاهل الكنيسه الاعتراف بوجود هذا الصراع, فإنها تتصرف من الوجهه الموضوعيه بصفتها جزءاً من النظام الحاكم. ذلك لأن هذا النظام يسعى فعلاً إلى الإبقاء على الصراع فى الوقت الذى ينكر وجوده. "

الإشكاليه فى هذه الفقره أن الأب وليم سيدهم يفترض مسبقاً أن للكنيسه مسئوليه إجتماعيه و سياسيه و بالتالى يدين وقوفها على الحياد فى هذا الصراع الطبقى أو إنحيازها للرأسماليه , إنه بناء رائع على أساس خاطئ.

الدور المنوط بالكنيسه كمؤسسة دينيه دوجماطيقيه تمتلك ما تراه حقيقه مطلقه هو الانحسار فيما هو دينى و روحى فقط لأن دخولها إلى ما هو سياسى يمنع على أى مسيحى مواجهة موقفها و رفضه.

خطورة تطبيق لاهوت التحرير فى مصر :

- عدم قدرة الكنيسه القبطيه على احتمال نتائج تحريضها لثورة من الفقراء المصريين ( باختلاف انتمائتهم الدينيه ) و الوقوف أمام السلطه الظالمه و الجشع الاقتصادى لمجتمع الأغنياء و الرأسماليين

- الدور الكبير للأراخنه الأقباط ( رجال الأعمال الأقباط ) فى تاريخ الكنيسه كله أوجد تداخل كبير فى السلطات الكنسيه و إدارة الكنيسه بين رجال الدين و رجال الأعمال و أوجد تفاهمات و احترام متبادل لا يمكن هدمه فى لحظات. 

- سيطرة رجال الكهنوت على التعليم الكنسى و على الطرح اللاهوتى و التفسير الإنجيلى و عزل العلمانيين " غير الكهنه " من المسيحيين فى إطار ضيق جداً فى العمل التعليمى و الرعوى داخل الكنيسه و هذا على خلاف أمريكا اللاتينيه نسبياً مما سيؤدى فى حالة تطبيق لاهوت التحرير المصرى إلى سيطرة رجال دين ذو عقليات محدوده على الامور السياسيه.


أعتقد أن الكنيسه القبطيه مطالبه بالخروج بعملها الاجتماعى و التنموى من أجل خدمة كل المصريين و إيصال رسالة المسيح لكل العالم و ليس حصرها بأسوار الكنيسه كما هو الآن و لكن دون رؤيه سياسيه و يقول الأب متى المسكين فى ذلك : " لو حاولت الكنيسه أن تستخدم الحيله والسياسه و الخداع لكسب مواقف ضد العالم فهى حتماً ستدخل فى فضيحه و خزى علنى, لأن العالم إذا مسك على الكنيسه أو أى مسيحى موقفاً مخادعاً غاشاً ضد ما ينادى به إنجيله, فإنه يصرعه و يقضى عليه... الذى يحفظ للكنيسه كيانها الروحى و يؤمنها ضد الانحلال و الذوبان فى المجتمع هو أن تبقى روحانيه بالفعل. فهذا كفيل أن يحفظ لها قوة تفاعلها مع العالم باستمرار"

السبت، مارس 23، 2013

فى نقد لاهوت التحرير (2)

أزمة لاهوت التحرير فى أمريكا اللاتينيه 

يُعرف علم اللاهوت على أنه " علم دراسة الإلهيات دراسه منطقيه " , و يعرفه الفيلسوف الكاثوليكى توما الأكوينى على أنه " العلم الذى يبحث فى جميع المواضيع من وجهة نظر الله سواء أكانت هذه المواضيع لله نفسه أم كانت تفترض وجود الله كمبدأ و غايه ".
و يعرفه الفيلسوف مراد وهبه قائلاً " تبلور سلطان الدوجما فيما يسمى بعلم العقيده و هو فى المسيحيه علم اللاهوت, و فى الإسلام علم الكلام. ووظيفة كل منهما تحديد مجال الإيمان, بمعنى أنك لا تكون مؤمناً إلا إذا إلتزمت بهذا المجال. و إذا لم تلتزم فأنت هرطيق فى نظر اللاهوتيين أو كافر فى نظر المتكلمين تستحق التأديب كحد أدنى و القتل كمحد أقصى "


و يُعرف لاهوت التحرير على أنه " تفسير و فهم الإيمان المسيحى من خلال منظور الفقراء و معاناتهم و كفاحهم , و نقد المجتمع و العقيده الكاثوليكيه و المسيحية من منظور الفقراء "
و أيضاً يُعتبر " مصدر هذا اللاهوت هو الاختبار الروحى الذى يدفع إلى العمل السياسى " و يتبنى لاهوت التحرير رؤيه ثنائيه للمجتمع تختلف بحسب الثروه الماليه فتختلف رؤية الكنيسه إلى الرأسماليين عنها إلى الفقراء. 

إن بداية ظهور لاهوت التحرير لأول مره كانت فى أمريكا اللاتينيه و بالتحديد فى جمهورية " بيرو " عام 1968 م  و ظهر كردة فعل على أزمة داخليه بتحول البرجوازيات الداخليه إلى وكلاء عن أمريكا , وكلاء اقتصاديين و سياسيين, و الوقوع تحت السلطه العسكريه الديكتاتوريه و دولة " الأمن الوطنى " و التسلط الكامل على الساحه السياسيه و أصبح القمع هو الحل الوحيد لأى معارضه. 

نتيجة لذلك كان أمام الكنيسه ثلاث طرق :

1- الانضمام إلى دولة الأمن الوطنى على حساب الشعب
2- أن تجد منظوراً ثورياً جديداً لبناء رؤية ثوريه للكنيسه لمناصرة الفقراء
3- القطيعه التامه مع السياسه و أن تمارس الكنيسه دورها الروحى و رسالتها التبشيريه فقط و لكن هذا الاختيار الصعب سيحرم أى مؤسسه دينيه من الإرشاد و التوجيه المجتمعى و التأثير فى الحياه اليوميه على المواطن مما قد يخلق فجوه و عزله و ربما قطيعه و انفصال بين المواطنين و الدين
                                                
وحيث أن  الكنيسه فى أمريكا اللاتينيه جربت كل التحالفات سواء مع المستعمر الأسبانى أو الإقطاعيين ورجال الأعمال أو النخبه البرجوازيه و كلها سقطت فى النهايه إلى أن جاء الدور على التحالف مع الطبقات المسحوقه و المستغله.

ولد لاهوت التحرير و استمد شرعيته على مستوى المؤسسه الكنسيه الكاثوليكيه من حضن المجمع الفاتيكانى الثانى  ( 1962 – 1965 ) و الخطوه الثانيه فى الطريق إلى لاهوت التحرير كانت فى مدلين – كولومبيا و هو المؤتمر الثانى الذى اشترك فيه مجلس أساقفة أمريكا اللاتينيه ( 28 أغسطس – 7 سبتمبر 1968 ) و بحلول عام 1971 كان قد ظهر أول كتابين فى بيرو و البرازيل يبحثان فى مضمون هذا اللاهوت و أهدافه , الكتاب الأول هو " لاهوت التحرير " للأب جوستافو جوتيريز و الكتاب الثانى فى البرازيل تحت عنوان " يسوع المسيح المحرر, دراسه نقديه لعلم المسيح " للأب ليوناردو بوف الفرنسيسكانى .

بحسب الأب وليم سيدهم فإن هذين الكتابين الأساسين عن لاهوت التحرير حملوا الآتى : 
1- نيه واضحه لدخول الكنيسه و القيادات الدينيه إلى المعترك السياسى

2- قراءة الكتاب المقدس فى إطاره التاريخى و الإقتصادى و الإجتماعى و السياسى ثم محاولة تطبيق النص المقدس على أوضاع أمريكا اللاتينيه بحيث يكون أنبياء العهد القديم و المسيح فى العهد الجديد قد رفضوا ظلماً تاريخياً فى زمنهم و ساندوا الطبقات الكادحه و المسحوقه و بالتالى تكون هذه هى الرساله فى الوقت الحاضر و المدخل لخلط السياسى و الاجتماعى بالدينى 

و كانت نظرية الأب جوستافو جوتيريز للوصول للتحرير تقوم على 3 مراحل أساسيه :
 1- تغيير الأوضاع الاجتماعيه و الاقتصاديه لتحقيق مصلحة المجتمع ككل و عدم احتكار طبقه لفوائد اجتماعيه و اقتصاديه على حساب الطبقات الأخرى
 2- حصول الفقراء و المسحوقين على حرياتهم و المشاركه فى توجيه البلاد
 3- مرحلة الأخوه الإنسانيه المبنيه على الإيمان المشترك

يبدو من القراءه الأوليه مدى نبل هذه الأهداف و لكنها فى النهايه تقود لسيطره دينيه على الدوله و تحكم بما هو مطلق على ما هو نسبى.

فى مؤتمر المكسيك ( 11 – 15 /8 / 1975 ) و تحت عنوان " التحرير و العبوديه " و بحضور ممثل البابا كان واضحاً جداً أن لاهوتى التحرير تخطوا مرحلة الجدال إلى التطبيق العملى و نقد التجربه و أنه لا جدوى من محاولات الفاتيكان لتبنى رؤيه مضاده ثم فى مؤتمر دار السلام فى تنزانيا عام 1977 اتضحت الصوره أكثر بمدى الفجوه و الاتساع فى قبول لاهوت التحرير بين العالم المتقدم " الأول " و العالم المتخلف " الثالث " و ظهر مدى خصوصية هذا اللاهوت بالعالم الثالث بحيث يشكل سداً منيعاً أمام قوى التنوير من الوصول للعلمانيه و تكرار التجربه الأوروبيه و أن يظل إنسان العالم الثالث تحت سيطرة القوى الدينيه و لا مانع أمام القيادات الدينيه من صبغ الدين بصبغه يساريه ثوريه لتلائم الجو الثورى الشعبى الحالى.

فى هذا المؤتمر اجتمع ممثلين عن قارات العالم الثالث " آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينيه " و أنشأوا ما سُمى بـ " الجمعيه المسكونيه للاهوتيى العالم الثالث " و بالمناسبه فإن الكنيسه الأرثوذكسيه المصريه كانت ممثله فى هذا المؤتمر بشخص الدكتور موريس أسعد.

منذ عام 1982 قام " مجمع العقيده و الإيمان " برئاسة الكاردينال جوزيف راتسينجر " البابا بنديكتوس السادس عشر فيما بعد " بالتصدى و الرد و الحوار بشأن " لاهوت التحرير" بإصدار الوثائق و الأوراق اللاهوتيه و عقد المؤتمرات الصحفيه لإيضاح رؤية الفاتيكان بشأن لاهوت التحرير و لعل من أهم المصطلحات التى صاغها راتسينجر هو قوله بأن لاهوت التحرير هو " نتيجة أختيار الماركسيه ".

النتيجه النهائية لهذه التجربه فى أمريكا الجنوبيه هى وصول رجال الدين للسلطه و سيطرتهم على الحياه السياسيه و أحد أهم الأمثله على ذلك وصول " فرناندو لوغو " المعروف باسم " الأسقف الأحمر إلى رئاسة باراجواى عام 2008 ثم أُجبر على ترك منصبه بعد محاكمه أمام البرلمان عام 2012 تم اتهامه فيها بإساءة القيام بمهامه بعد صدامات راح ضحيتها 11 مزارع و 6 من رجال الشرطه.

الأربعاء، مارس 20، 2013

فى نقد لاهوت التحرير (1)

 فى العلاقه بين الثوره و الدين
 الثورات فى العالم المتقدم كانت دائماً تبتعد عن سلطة رجال الدين بل و تقف ضدهم و على العكس فى العالم الثالث لابد أن تنشأ علاقه غير شرعيه بين الثورة و الدين تحت أى مسمى.
لا يوجد فى الكتب المقدسه للأديان الإبراهيميه ما يحض على الثوره على حاكم ظالم, فبرغم ثورات اليهود الكثيره إلا أنها لم تكن نتيجة لتشريع دينى ثورى و تستند إلى رؤيه دينيه تثور ضد الظلم و تطالب بالعداله الإجتماعيه أو الحريه بل على العكس تماماً ففى سفر أرميا ( أحد كبار أنبياء اليهود ) يدعو الله الشعب إلى عدم الثوره على من أسروهم فيقول " اطلبوا سلام المدينه التى سبيتكم إليها و صلوا لأجلها إلى الرب لأنه بسلامها يكون سلام لكم " ( ارميا 29 : 7 – 9 )  , و ثورات اليهود فى أغلبها  كانت ضد محتل أجنبى 

و إذا إنتقلنا للمسيحيه فتم إختزال الثوره بصوره أكبر بكثير مما هو الحال عليه عند اليهود فنجد أن يسوع المسيح عندما سأله اليهود : " أيجوز أن تعطى جزيه لقيصر أم لا ؟ نعطى أم لا نعطى ؟ " و فى ذلك الوقت كان اليهود تحت الاحتلال الرومانى و كان الشعب قد ضجر و تعب جداً من الضرائب الرومانيه و كانت الجزيه هى علامة الاستعباد للرومان و توقف اليهود عن دفع الجزيه هو بمثابة ثوره و عصيان مدنى على المحتل الرومانى , إلا أن يسوع المسيح أجاب " أعطوا ما لقيصر لقيصر و ما لله لله 
و فى الإسلام لا يخفى على أحد الآيات التى تأمر المسلمين بطاعة ولى الأمر و عدم الخروج عليه " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولى الأمر منكم " ( سورة النساء 59 

و من ناحيه منطقيه, لو كانت الأديان الإبراهيميه تحرض أتباعها على الثوره و الخروج على الحاكم لما ترك الحكام هذه الأديان تنتشر, بل إن كارل ماركس كان محقاً عندما قال " الدين أفيون الشعوب ", لأن الأديان واحده من أطرها و أساساتها التقليديه هو منع الثورات و تعضيد الحاكم و حث الشعب على الخضوع له حتى لو كان ظالماً و لا تتحرك الأديان بشكل عام من منطقة السكون و الخضوع هذه إلى منطقة الثوره و الحركه إلا فى حاله واحده و هى أن يمنع الحاكم الشعب من تنفيذ الأوامر الإلهيه, أن يقف أمام الدين نفسه , أن يمنع الشعب من ممارسة الطقوس و العبادات الدينيه.


الإشكاليه الحقيقية هى عندما يقوم الإنسان المتدين " الدوجماطيقى " بعمل ثوره, فإنها تتحول تدريجياً إلى الخروج من الوضع الراهن إلى وضع أسوأ منه و أكثر تخلفاً و رجعيه , و العجيب أنه فى أغلب هذه الثورات لا يشارك رجال الدين فى الثوره إلتزاماً منهم بالنصوص الدينيه و الفهم الدينى الذى أشرنا إليه سابقاً , و مع ذلك و على الرغم من عدم مشاركتهم فإن الثوار المتدينيين يقومون بحمل كرسى الحكم ووضعه تحت قدمى رجل الدين, و من هنا لا يجد رجل الدين حجه و برهاناً يستند عليه فى إدعاء الثوريه سوى أن يستخدم  فكرة رومانسيه لدى كل متدين و هى " الدين جاء لنصرة المظلومين و المستضعفين فى الأرض و ثورتكم أيها الشعب فعلت نفس الشئ و بالتالى فالدين و الثوره واحد و أنا ثائر مثلكم بل أنا كنت قائدكم فى الثوره ", قد نتفق معاً أن الأديان جاءت لنصرة المظلومين لكنها أبداً لم تلجأ للثوره و لم تحرض أتباعها على الثوره من أجل نصرة المظلومين .

و لذلك يهمنا فى البدايه و قبل الدخول تفصيلياً فى " لاهوت التحرير " و كيفية نشأة  العلاقه بين الدين والثوره, و ما مدى نفعها للمجتمع البشرى, أن ننفى وجود علاقه من الأساس بين الأديان الإبراهيميه و الثورة.