السبت، مايو 14، 2011

شوية ملل


أصبح الموت هو الملاذ الوحيد للخلاص من كل الضغوط التى تحاصره حتى وإن كان معظمها موجهاً من داخله , خرج من عمله وهو فكرياً لا يتجه إلى أى مقصد ولكن عمليا وحسب ما اعتاد وكما تقوده قدماه كل يوم كان متجهاً إلى المنزل لينام ساعه ثم يستقيظ متعباً -وكأن أحلامه تؤلمه – يتجه إلى الحمام أتوماتيكياً ثم يفتح التلفزيون الذى غالباً فى هذه الفتره من العام يذيع الجلسه الصباحيه الممنتجه لمجلس الشعب والتى دائماً ما تنتهى بالموافقه على القرار الذى لا يدركه فالسيد المحترم الذى قام بالمونتاج اقتطع كثيراً منها لدرجة أنه مهما بلغت درجة ذكائك وقدرتك على التركيز فى المنوعات التى اختارها بعنايه فائقه لا تستطيع أن تحدد القضيه التى يتحدثون عنها لتتأكد بعد إنتهاء فقرة منوعات مجلس الشعب أن إعلانات سمن النخلتين أكثر وضوحاً وقرباً إلى قلبك .

قبل أن يبدأ المسلسل العربى يتصل به صديقه الذى هو أصلاً زميله فى العمل وقد كانا سوياً فى نفس المكان يعملان هذا الصباح طارحاً اقتراحاً يومياً بشم الهواء الملئ بدخان السيارات المختلط بدخان حرائق القش

برغم رتابة و روتينية حياته التى تدفع أى شخص لكسر هذا الروتين حتى هو دائماً ما يتحدث عن رغبته فى التغيير وأن التغيير من أهم مقومات الحياه إلا أنه ما إن يفاجئ بأى عامل خارجى يحاول أن يكسر روتينه اليومى إلا ويقف له بالمرصاد ويقاومه أعتى مقاومه ولكنه اليوم قد أخذ قراره وانتهى إلى أنه لابد أن يخرج بإرادته من هذا المستنقع الذى لم يأتى له بإرادته فاليوم لأول مره يشعر بالاتصال بين أفكاره وقدميه ..اتخذ اتجاهاً مغايراً لمنزله , كان كالعصفور الذى خرج من القفص لتوه فانطلق بسرعة لا يدرى هل هو يجرى أم أن هذه مشيته المعتاده إلا أن عرقه المتساقط من جبهته بدأ يعلن له ولكل الناس أنه قد تعب من الجرى فهدأ من سرعته ليشرب من خرطوم يرش به صاحب مقهى المياه فى الشارع ليقتحم بعدها الشارع بالكراسى والطاولات ويحدث التحام حقيقى ما بين فئات الشعب الجالسه على المقهى والشعب المرتجل فى الشارع مضيفاً لذلك السيارات التى انتهت صلاحية أغلبها للإستخدام وعلى هذا فإنه فى هذا التوقيت يصبح من حق المواطن أيضاً أن يلجأ للكبارى المخصصه للسيارات

 لجأ هو أيضاً إلى كوبرى قصر النيل غير مكترث بالمسافة التى مشاها من سنترال رمسيس حيث يعمل هناك فى المكاتب الخلفيه التى تشهد لعصر عبد الناصر واشتراكيته التى انتهت ومعها انتهى عصر التليفونات الأرضيه فى زمن الخصخصه والرأسماليه متعجباً من نفسه كاشتراكى بحكم الوظيفه وأنه جزء من الحكومه التى هى أصلاً حكومه رأسماليه مشروعها الخصخصه وبينما يفكر هو فى التحولات من ثورة يوليو وحتى اليوم كانت لا تزال الفكره التى حولت وجهته من المنزل تطرق رأسه بعنف

 بدأ يتردد فى التنفيذ على الرغم من أنه قد جهز العده بالأمس من حبل قوى ووصيه خطها بيده تعلن حبه الشديد لمصر وكرهه لحياته التى أفسدتها مصر بفسادها المنقطع النظير الذى جعله يقبل على إنهاء حياته فى النيل من أمامه لتشهد عليه السيارات الفارهه من خلفه

 تذكر الآيات التى تجرم ما سيفعله وتلقيه فى النار بمجرد أن يدلى نفسه فى الماء, فأصابه الخوف فمنذ طفولته وهو يتلقى التحذيرات من هذه الخطوه التى تؤدى إلى جهنم وكأنهم جميعاً كانو يعلمون أنه سيفعلها يوما ما ولكن ما من واحد من هؤلاء المحذرين المهددين بالنار ساعده عملياً فى تحسين حياته .. كلهم حذروه وهددوه ونصحوه لكنهم لم يساعدوه
  
بدأ الكوبرى يمتلأ بجموع طلبة وطالبات الجامعات الذين يمارسون سطوتهم وملكيتهم لهذا المكان حيث وجد نفسه محاطاً بأربعة منهم , اثنان من كل جانب مما قطع عليه تفكيره فمشى قليلاً عندما التفت إليه أحدهما ملقياً بسيجاره تحت قدميه

كانت النظره الغاضبه لهذا الطالب من صديقته والتفاته إليه إيذاناً بمجموعه من الأفكار المخيفه التى حاكت سيناريو بديع لعب فيه هذا الطالب دور فاعل الخير الذى يبلغ عن شخص يحاول أن ينهى حياته بنفسه و يسلب حقاً أصيلاً من رجل الشرطه ثم سين وجيم وتعذيب ومحكمه ... كان هذا السيناريو كفيلاً بأن يدفعه للجرى مرة أخرى إلى ميدان التحرير حيث وجد أتوبيساً متجهاً إلى غمره وما إن ركبه حتى اتصل به صديقه ليطرح الإقتراح اليومى ويوافق فورا ليلعن كل الأفكار التى خسر بسببها ساعة النوم و فقرة الإعلانات

كتبت فى صيف 2007 مع تعديل النهايه فى 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق