أزمة لاهوت
التحرير فى أمريكا اللاتينيه
يُعرف علم اللاهوت على أنه " علم دراسة الإلهيات دراسه منطقيه
" , و يعرفه الفيلسوف الكاثوليكى توما الأكوينى على أنه " العلم
الذى يبحث فى جميع المواضيع من وجهة نظر الله سواء أكانت هذه المواضيع لله نفسه أم
كانت تفترض وجود الله كمبدأ و غايه ".
و يعرفه الفيلسوف مراد وهبه قائلاً " تبلور سلطان الدوجما فيما
يسمى بعلم العقيده و هو فى المسيحيه علم اللاهوت, و فى الإسلام علم الكلام. ووظيفة
كل منهما تحديد مجال الإيمان, بمعنى أنك لا تكون مؤمناً إلا إذا إلتزمت بهذا
المجال. و إذا لم تلتزم فأنت هرطيق فى نظر اللاهوتيين أو كافر فى نظر المتكلمين
تستحق التأديب كحد أدنى و القتل كمحد أقصى "
و يُعرف لاهوت التحرير على أنه " تفسير و فهم الإيمان المسيحى من خلال
منظور الفقراء و معاناتهم و كفاحهم , و نقد المجتمع و العقيده الكاثوليكيه و
المسيحية من منظور الفقراء "
و أيضاً يُعتبر " مصدر هذا اللاهوت هو الاختبار الروحى الذى يدفع إلى
العمل السياسى " و يتبنى لاهوت التحرير رؤيه ثنائيه للمجتمع تختلف بحسب
الثروه الماليه فتختلف رؤية الكنيسه إلى الرأسماليين عنها إلى الفقراء.
إن بداية ظهور لاهوت التحرير لأول مره كانت فى أمريكا اللاتينيه و بالتحديد
فى جمهورية " بيرو " عام 1968 م
و ظهر كردة فعل على أزمة داخليه بتحول البرجوازيات الداخليه إلى وكلاء عن
أمريكا , وكلاء اقتصاديين و سياسيين, و الوقوع تحت السلطه العسكريه الديكتاتوريه و
دولة " الأمن الوطنى " و التسلط الكامل على الساحه السياسيه و أصبح
القمع هو الحل الوحيد لأى معارضه.
نتيجة لذلك كان أمام الكنيسه ثلاث طرق :
1-
الانضمام إلى دولة الأمن الوطنى على حساب الشعب
2- أن تجد منظوراً ثورياً جديداً لبناء رؤية ثوريه للكنيسه لمناصرة الفقراء
3- القطيعه التامه مع السياسه و أن تمارس الكنيسه دورها الروحى و رسالتها
التبشيريه فقط و لكن هذا الاختيار الصعب سيحرم أى مؤسسه دينيه من الإرشاد و
التوجيه المجتمعى و التأثير فى الحياه اليوميه على المواطن مما قد يخلق فجوه و
عزله و ربما قطيعه و انفصال بين المواطنين و الدين
وحيث أن الكنيسه فى أمريكا
اللاتينيه جربت كل التحالفات سواء مع المستعمر الأسبانى أو الإقطاعيين ورجال
الأعمال أو النخبه البرجوازيه و كلها سقطت فى النهايه إلى أن جاء الدور على
التحالف مع الطبقات المسحوقه و المستغله.
ولد لاهوت التحرير و استمد شرعيته على مستوى المؤسسه الكنسيه الكاثوليكيه
من حضن المجمع الفاتيكانى الثانى ( 1962 –
1965 ) و الخطوه الثانيه فى الطريق إلى لاهوت التحرير كانت فى مدلين – كولومبيا و
هو المؤتمر الثانى الذى اشترك فيه مجلس أساقفة أمريكا اللاتينيه ( 28 أغسطس – 7 سبتمبر
1968 ) و بحلول عام 1971 كان قد ظهر أول كتابين فى بيرو و البرازيل يبحثان فى
مضمون هذا اللاهوت و أهدافه , الكتاب الأول هو " لاهوت التحرير " للأب
جوستافو جوتيريز و الكتاب الثانى فى البرازيل تحت عنوان " يسوع المسيح
المحرر, دراسه نقديه لعلم المسيح " للأب ليوناردو بوف الفرنسيسكانى .
بحسب الأب وليم سيدهم فإن هذين الكتابين الأساسين عن
لاهوت التحرير حملوا الآتى :
1- نيه واضحه لدخول الكنيسه و القيادات الدينيه إلى المعترك السياسى
2- قراءة الكتاب المقدس فى إطاره التاريخى و الإقتصادى و الإجتماعى و
السياسى ثم محاولة تطبيق النص المقدس على أوضاع أمريكا اللاتينيه بحيث يكون أنبياء
العهد القديم و المسيح فى العهد الجديد قد رفضوا ظلماً تاريخياً فى زمنهم و ساندوا
الطبقات الكادحه و المسحوقه و بالتالى تكون هذه هى الرساله فى الوقت الحاضر و
المدخل لخلط السياسى و الاجتماعى بالدينى
و كانت نظرية الأب جوستافو جوتيريز للوصول للتحرير تقوم
على 3 مراحل أساسيه :
1- تغيير الأوضاع الاجتماعيه و الاقتصاديه
لتحقيق مصلحة المجتمع ككل و عدم احتكار طبقه لفوائد اجتماعيه و اقتصاديه على حساب
الطبقات الأخرى
2- حصول الفقراء و المسحوقين على حرياتهم
و المشاركه فى توجيه البلاد
3- مرحلة الأخوه الإنسانيه المبنيه على
الإيمان المشترك
يبدو من القراءه الأوليه مدى نبل هذه الأهداف و لكنها فى النهايه تقود
لسيطره دينيه على الدوله و تحكم بما هو مطلق على ما هو نسبى.
فى مؤتمر المكسيك ( 11 – 15 /8 / 1975 ) و تحت عنوان " التحرير و
العبوديه " و بحضور ممثل البابا كان واضحاً جداً أن لاهوتى التحرير تخطوا
مرحلة الجدال إلى التطبيق العملى و نقد التجربه و أنه لا جدوى من محاولات
الفاتيكان لتبنى رؤيه مضاده ثم فى مؤتمر دار السلام فى تنزانيا عام 1977 اتضحت
الصوره أكثر بمدى الفجوه و الاتساع فى قبول لاهوت التحرير بين العالم المتقدم
" الأول " و العالم المتخلف " الثالث " و ظهر مدى خصوصية هذا
اللاهوت بالعالم الثالث بحيث يشكل سداً منيعاً أمام قوى التنوير من الوصول
للعلمانيه و تكرار التجربه الأوروبيه و أن يظل إنسان العالم الثالث تحت سيطرة
القوى الدينيه و لا مانع أمام القيادات الدينيه من صبغ الدين بصبغه يساريه ثوريه
لتلائم الجو الثورى الشعبى الحالى.
فى هذا المؤتمر اجتمع ممثلين عن قارات العالم الثالث " آسيا و أفريقيا
و أمريكا اللاتينيه " و أنشأوا ما سُمى بـ " الجمعيه المسكونيه للاهوتيى
العالم الثالث " و بالمناسبه فإن الكنيسه الأرثوذكسيه المصريه كانت ممثله فى
هذا المؤتمر بشخص الدكتور موريس أسعد.
منذ عام 1982 قام " مجمع العقيده و الإيمان " برئاسة الكاردينال
جوزيف راتسينجر " البابا بنديكتوس السادس عشر فيما بعد " بالتصدى و الرد
و الحوار بشأن " لاهوت التحرير" بإصدار الوثائق و الأوراق اللاهوتيه و
عقد المؤتمرات الصحفيه لإيضاح رؤية الفاتيكان بشأن لاهوت التحرير و لعل من أهم
المصطلحات التى صاغها راتسينجر هو قوله بأن لاهوت التحرير هو " نتيجة أختيار
الماركسيه ".
النتيجه النهائية لهذه التجربه فى أمريكا الجنوبيه هى وصول رجال الدين للسلطه و
سيطرتهم على الحياه السياسيه و أحد أهم الأمثله على ذلك وصول " فرناندو لوغو
" المعروف باسم " الأسقف الأحمر إلى رئاسة باراجواى عام 2008 ثم أُجبر
على ترك منصبه بعد محاكمه أمام البرلمان عام 2012 تم اتهامه فيها بإساءة القيام
بمهامه بعد صدامات راح ضحيتها 11 مزارع و 6 من رجال الشرطه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق