فى العلاقه بين الثوره و الدين
الثورات فى العالم المتقدم كانت دائماً تبتعد عن سلطة رجال الدين بل و تقف
ضدهم و على العكس فى العالم الثالث لابد أن تنشأ علاقه غير شرعيه بين الثورة و
الدين تحت أى مسمى.
لا يوجد فى الكتب المقدسه للأديان الإبراهيميه ما يحض على الثوره على حاكم
ظالم, فبرغم ثورات اليهود الكثيره إلا أنها لم تكن نتيجة لتشريع دينى ثورى و تستند
إلى رؤيه دينيه تثور ضد الظلم و تطالب بالعداله الإجتماعيه أو الحريه بل على العكس
تماماً ففى سفر أرميا ( أحد كبار أنبياء اليهود ) يدعو الله الشعب إلى عدم الثوره
على من أسروهم فيقول " اطلبوا سلام المدينه التى سبيتكم إليها و صلوا
لأجلها إلى الرب لأنه بسلامها يكون سلام لكم " ( ارميا 29 : 7 – 9 ) , و ثورات اليهود فى أغلبها كانت ضد محتل أجنبى
و إذا إنتقلنا للمسيحيه فتم إختزال الثوره بصوره أكبر بكثير مما هو الحال عليه عند
اليهود فنجد أن يسوع المسيح عندما سأله اليهود : " أيجوز أن تعطى جزيه
لقيصر أم لا ؟ نعطى أم لا نعطى ؟ " و فى ذلك الوقت كان اليهود تحت
الاحتلال الرومانى و كان الشعب قد ضجر و تعب جداً من الضرائب الرومانيه و كانت
الجزيه هى علامة الاستعباد للرومان و توقف اليهود عن دفع الجزيه هو بمثابة ثوره و
عصيان مدنى على المحتل الرومانى , إلا أن يسوع المسيح أجاب " أعطوا ما لقيصر
لقيصر و ما لله لله
و فى الإسلام لا يخفى على أحد الآيات التى تأمر المسلمين بطاعة ولى الأمر و عدم
الخروج عليه " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولى
الأمر منكم " ( سورة النساء 59
و من ناحيه منطقيه, لو كانت الأديان الإبراهيميه تحرض أتباعها على الثوره و الخروج
على الحاكم لما ترك الحكام هذه الأديان تنتشر, بل إن كارل ماركس كان محقاً عندما
قال " الدين أفيون الشعوب ", لأن الأديان واحده من أطرها و أساساتها
التقليديه هو منع الثورات و تعضيد الحاكم و حث الشعب على الخضوع له حتى لو كان
ظالماً و لا تتحرك الأديان بشكل عام من منطقة السكون و الخضوع هذه إلى منطقة
الثوره و الحركه إلا فى حاله واحده و هى أن يمنع الحاكم الشعب من تنفيذ الأوامر
الإلهيه, أن يقف أمام الدين نفسه , أن يمنع الشعب من ممارسة الطقوس و العبادات
الدينيه.
الإشكاليه الحقيقية هى عندما يقوم الإنسان المتدين
" الدوجماطيقى " بعمل ثوره, فإنها تتحول تدريجياً إلى
الخروج من الوضع الراهن إلى وضع أسوأ منه و أكثر تخلفاً و رجعيه , و العجيب أنه فى
أغلب هذه الثورات لا يشارك رجال الدين فى الثوره إلتزاماً منهم بالنصوص الدينيه و
الفهم الدينى الذى أشرنا إليه سابقاً , و مع ذلك و على الرغم من عدم مشاركتهم فإن
الثوار المتدينيين يقومون بحمل كرسى الحكم ووضعه تحت قدمى رجل الدين, و من هنا لا
يجد رجل الدين حجه و برهاناً يستند عليه فى إدعاء الثوريه سوى أن يستخدم فكرة رومانسيه لدى كل متدين و هى " الدين
جاء لنصرة المظلومين و المستضعفين فى الأرض و ثورتكم أيها الشعب فعلت نفس الشئ و
بالتالى فالدين و الثوره واحد و أنا ثائر مثلكم بل أنا كنت قائدكم فى الثوره
", قد نتفق معاً أن الأديان جاءت لنصرة المظلومين لكنها أبداً لم تلجأ للثوره
و لم تحرض أتباعها على الثوره من أجل نصرة المظلومين .
و لذلك يهمنا فى البدايه و قبل الدخول تفصيلياً فى " لاهوت التحرير
" و كيفية نشأة العلاقه بين الدين
والثوره, و ما مدى نفعها للمجتمع البشرى, أن ننفى وجود علاقه من الأساس بين
الأديان الإبراهيميه و الثورة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق